زعيم دريمي Admin
المساهمات : 746 تاريخ التسجيل : 17/10/2010
| موضوع: الذكاء (مقاييسه ونظرياته) السبت أكتوبر 23, 2010 4:14 pm | |
| . مقدمة : يشير تعبير الذكاء عادة إلى قدرة عقلية عامة لـ : حل المشاكل ، التفكير المجرد ، تعلم وفهم المواضيع الجديدة ، التفكير المنطقي ، والإستفادة من الخبرات السابقة ، ويعبر عن هذه القدرة في نواحي عدة من حياة الإنسان . يتعلق الذكاء بعمليات عقلية مختلفة ، منها : الذاكرة ، التعلم ، الملاحظة ، القدرة على الفهم ، اتخاذ القرارات ، التفكير ، الإستنتاج ، ... إلخ . II. تعريف الذكاء : يملك معظم الناس تعريفاً فطرياً للذكاء ، وهناك العديد من الكلمات التي تشير إلى مستويات مختلفة منه : لامع ، ذكي ، غبي ، بسيط ، أبله ، عبقري ، بطيء الفهم ، ساذج ، وغيرها ... مع ذلك ، لا يوجد تعريف عالمي موحد للذكاء ، إذ ما زال النقاش مستمراً بين العلماء لتحديد ماهيته . وتبقى الأسئلة الأساسية : هل الذكاء قدرة عقلية واحدة ؟ أم أنظمة مختلفة ومستقلة ؟ هل هو خاصية عقلية ؟ ميزة سلوكية ؟ أم مجموعة معارف ومهارات ؟ التعريف الأبسط المقترح : الذكاء هو مختلف ما تقسيه روائز ومقاييس الذكاء . لكن هذا التعريف لا يقدم إلا القليل حول الطبيعة الخاصة للذكاء ، كما أن هناك العديد من المقاييس وهي لا تقيس نفس الأشياء ! عندما يطلب من العلماء تعريف الذكاء ، مسبباته أو ماهيته ، يقدمون تعريفات مختلفة : (القدرة على التكيف مع مشكلات الحياة ، القدرة على التجريد ، التوافق مع البيئة وتعديلها ، المعرفة المختزنة ، الإستقلالية ، الأصالة والجدة والإبداع في التفكير ، المقدرة على الإستيعاب ، القدرة على الحكم الصحيح ، القدرة المعرفية الفطرية ، إدراك العلاقات المناسبة ، الإستنتاج والإستدلال من العلاقات) . يشير هذا الكم إلى اختلاف المنظور والتوجه لكل عالم ، فالبعض يربط الذكاء بالثقافة ، بينما يجادل آخرون بكونه قدرة معرفية أساسية مستقلة عنها . في السنوات الأخيرة ، ظهرت نظريات عديدة تناقش مسألة مقاييس الذكاء باعتبارها تقيس أجزاء من القدرات الإنسانية التي تعتبر مظاهر للذكاء . ويعتبر آخرون أن هذه المقاييس دقيقة ، وأن الإختلاف حول التعريف لا يقلل من مصداقيتها فبرأيهم أن الذكاء كالعديد من المفاهيم العلمية التي قيست قبل الإتفاق على تعريف محدد لها كـ : الجاذبية ، الحرارة ، الإشعاع ، إلخ ... III. قياس الذكاء : كانت المقاييس الأولى عبارة عن أسئلة قصيرة مهمتها معرفة الأولاد المحتاجين لعناية خاصة لكي يحققوا النجاح في المدرسة . وباعتبار أن المقاييس كانت تقرر حياة الناس فمن المحتم أن تصبح مثيرة للجدل . تستخدم مقاييس الذكاء اليوم بكثرة في : التعليم ، الأعمال ، الجندية ، ... وما زال علماء النفس يناقشون نوعية ما يقيسه المقياس ، وكيفية إستخدام النتائج . يعد السير فرانسيس غالتون من الرواد في دراسة الإختلافات الشخصية وهو أول من أدخل فكرة القياس الكمي للذكاء ، وساعد عمله في تطوير مفاهيم وتقنيات إحصائية ما زالت مستخدمة إلى اليوم . أما ألفرد بينيه فأول من طور مقياساً للذكاء يمكن أن يتوقع النجاح المدرسي ، وهو من ابتكر مفهوم العمر العقلي ، فإذا نجح طفل في العاشرة في تخطي الإمتحان المعد لأطفال العاشرة ، ولم يقدر على تخطي الإمتحان المعد لأطفال الحادية عشرة ، يعتبر عندها هذا الطفل ذو عمر عقلي في العاشرة . لا يرتبط العمر العقلي بالضرورة بالعمر الفعلي ، فطفل في السادسة من عمره ، على سبيل المثال ، استطاع أن ينجح في الإمتحان المخصص للأطفال في التاسعة ، يعتبر ذو عمر عقلي في التاسعة . استخدم لويس تيرمان مقياس بينيه على البالغين بعد أن عدله ، وأطلق عليه اسم " مقياس ستانفورد – بينيه للذكاء " . حوّر تيرمان آداء الشخص كعمر عقلي إلى نتيجة واحدة أطلق عليها تسمية "حاصل الذكاء – (I.Q.) Intelligence quotient– . ولحساب حاصل الذكاء يتم قسمة العمر العقلي على العمر الفعلي ويُضرب الحاصل بمئة . مثال : فتاة في السادسة ، عمرها العقلي "9" ، يكون حاصل ذكائها "150" [9÷6×100=150] . مع أن هذه الطريقة فعالة في مقارنة الأطفال ، إلا أنها عديمة الجدوى للكبار . توقفت مقاييس الذكاء الحديثة بما فيها مقياس ستانفورد – بينيه ، عن حساب الذكاء عن طريق حاصل الذكاء (I.Q.) ، وتعطي بدلاً منه علامة تشير إلى مدى انحراف آداء الفرد عن آداء رفاقه في مجموعة عمرية مساوية – وإن كان المصطلح نفسه ما زال مستخدماً – . أشهر مقاييس الذكاء هي مقياس ستانفورد – بينيه ، مقياس وكسلر للأطفال (WISC) ، ومقياس وكسلر للبالغين (WAIS) ، ويحتوي كل مقياس على عشرة مقاييس فرعية أو أكثر ، ويعطى على كل مفردة من كل مقياس فرعي علامة معينة ، وتتدرج المفردات من الأقل صعوبة إلى الأصعب ، وكل مقياس فرعي له علامة أيضاً ، ويتم جمعها أخيراً للحصول على المجموع الخام الكلي ، والذي يحوّل إلى حاصل الذكاء . تتألف بعض المقاييس ، كمقياس بيبودي للصور والكلمات ، من نوع واحد من المفردات ، ففي هذا المقياس يطلب من الشخص الذي يقوم به أن يعرف كلمة ما من خلال إختياره أقرب صورة توضّح المعنى في مجموعة من أربع صور . مقاييس الكفاءة ، والمؤهلات الطبيعية ، قريبة من مقاييس الذكاء . مقياس الكفاءة مخصص لرؤية ما الذي تعلمه الشخص ، أما مقياس المؤهلات فهو مخصص لتوقع الآداء المستقبلي وتقييم المقدرة على التعلم . ترتبط مفردات هذين المقياسين عادة بحقل خاص من المعرفة ، كالرياضيات مثلاً . تحتوي مقاييس الذكاء على نفس الحقول المعرفية ، لذا يعتبر الخبراء أنه من المستحيل التمييز بين هذه المقاييس . يجب على مقياس الذكاء ، باعتباره كأي مقياس سيكولوجي ، أن يتوافق مع معيار ثابت متفق عليه ليعتبر علمياً ودقيقاً . ومحكاته ثلاثة : المعيارية ، القابلية للثقة ، والمصداقية . تعني المعيارية ، إجراء المقياس أولاً على جماعة ضابطة من مختلف الطبقات والفئات والأعمار في المجتمع ، ثم إخضاع الأفراد له ، فتعكس نتيجة الفرد آداءه مقارنةً بنفس الفئة العمرية في المجموعة الضابطة . أما القابلية للثقة فتعني إستمرارية النتيجة ، أي أن شخصاً ما حصل على نتيجة معينة ، يجب أن يحصل عليها أو على نتيجة قريبة لها في كل مرة يخضع فيها للقياس . في الحقيقة ، إن مقاييس الذكاء هي أكثر قابلية للثقة من كل المقاييس السيكولوجية . وتعني المصداقية أن المقياس يتوقع ما وُضِع لتوقّعه . فمقاييس الذكاء وُضعت لتوقع التحصيل المدرسي وهي تفعل ذلك أفضل من أي شيء آخر . صممت مقاييس الذكاء أساساً للإستخدام في المدارس ، لتقييم مدى ما يمكن أن يقدمه التلميذ ، ومدى الحاجة إلى برامج تعليمية متخصصة . تساهم المقاييس في الكشف عن الأطفال المتأخرين عقلياً ، وتحديد البرامج التعليمية المناسبة لهم ، كما يمكن استخدامها أيضاً لتحديد البرامج المناسبة للموهوبين . IV. النظريات حول الذكاء : حاول العلماء لسنين عديدة فهم طبيعة الذكاء ، لكنهم لم يتفقوا على تعريف أو نظرية . حاول بعضهم فهمه من خلال تحليل نتائج مقاييس الذكاء ، وتحديد مجموعات القدرات . ويعتقد آخرون أن الذكاء يحوي قدرات عديدة لا تستطيع المقاييس تحديدها . في السنوات الأخيرة ، حاول السيكولوجيون شرح وتفسير الذكاء من منظور بيولوجي . بدأت المحاولات لتفسير الذكاء قبل أن يطور بينيه مقياسه الأول . ففي بدايات عام 1900 لاحظ عالم النفس البريطاني تشارلز سبيرمان أن كل مقاييس القدرات العقلية ذات معامل ارتباط إيجابي [معامل الإرتباط هو الدرجة التي يرتبط بها متغيران سوياً ، ويستدعي التغير بأحدهما تغيّراً بالآخر] . إكتشف سبيرمان أن الأشخاص الذين حققوا نتائج عالية في واحد من المقاييس العقلية حققوا نفس النتائج في كل البقية ، وكذلك الذين حققوا نتائج متدنية حققوا نفس النتائج في البقية . إستنتج سبيرمان وجود متغير مشترك أو عامل ينتج هذه الإرتباطات الإيجابية . في العام 1904 نشر سبيرمان مقالته المهمة حول الذكاء محدداً فيها عاملاً كامناً مسبباً لهذه الإرتباطات . كما أشار سبيرمان إلى وجود عاملين يمكن لهما التسبب بالإختلافات في مقاييس الذكاء ، هذان العاملان هما : الذكاء العام أو العامل العام الذي يكمن خلف كل المهام والقدرات العقلية وهو يشير إلى المشترك في المقاييس العقلية ، الثاني هو العامل الخاص ، ويشير إلى القدرات الخاصة التي يحتاجها مقياس ما ، لذا فهو يختلف من مقياس لآخر . ما لبثت أن طُورت طريقته إلى تقنية إحصائية معقدة معروفة بـ "عامل التحليل" [وهي تقنية إحصائية تُستخدم لمعرفة القوة النسبية لعوامل مختلفة على الناتج النهائي] ، بإستخدامها يمكن تحديد مجموعات المقاييس لقياس مقدرة عامة . في العام 1938 ، أعلن عالم النفس الأميركي لويس ثيرستون أن الذكاء ليس عاملاً واحداً ، بل مجموعة من العوامل المستقلة ذات الأهمية المتساوية ، وأطلق عليها إسم القدرات العقلية الأوّلية . لتحديد هذه القدرات ، أنشئ ثيرستون وزوجته مجموعة من 56 مقياساً وأخضعوا 240 طالباً جامعياً لها ، ثم قاموا بتحليل النتائج تبعاً لوسائل إبتكرها ثيرستون . حدد ثيرستون بعدها سبع قدرات عقلية أولية : 1. الفهم اللفظي : وهو القدرة على فهم معاني الكلمات . 2. الطلاقة اللفظية : أو السرعة في المواد الشفهية ، كقراءة القوافي والسجع مثلاً . 3. القدرة الحسابية العددية . 4. الذاكرة : القدرة على تذكر الكلمات ، الحروف ، الأعداد ، والصور . 5. سرعة الإدراك الحسي : القدرة على تمييز التفاصيل بسرعة ، وملاحظة التشابه والإختلاف بين الموضوعات . 6. المنطق الإستقرائي : استخلاص الأفكار العامة والقواعد من معلومات محددة . 7. التخيّل المكاني/الحيّزي : القدرة على التصور أو التلاعب العقلي بالأشياء بالأبعاد الثلاثة . في العام 1960 ، طبّق العالمان الأمريكيان رايموند كاتل وجون هورن ، طرائق جديدة على عامل التحليل وتوصلا إلى إستنتاج نوعين من الذكاء العام : الذكاء السائل ، والذكاء المتبلّر . يشير الذكاء السائل إلى الركيزة البيولوجية للذكاء . تزداد قياسات الذكاء السائل كسرعة التذكر والربط المنطقي مثلاً مع فترة البلوغ ثم تبدأ بالتدني بسبب الشيخوخة . الذكاء المتبلّر في المقلب الآخر ، هو المعارف والمهارات التي تُحصّل من خلال التعلم والتجربة ، وما دامت فرص التعلم مفتوحة للفرد ، يزداد الذكاء المتبلّر خلال حياة الشخص ، فالمعرفة المعجمية على سبيل المثال ، تزداد عند أساتذة الجامعة خلال مدى حياتهم . في العام 1983 ، أطلق عالم النفس الأمريكي هوارد غاردنر نظريته التي وسّعت في التعريف التقليدي للذكاء . فقد لاحظ أن مفاهيم الذكاء كما حددّت بالمقاييس العقلية ، لا يمكن أن تحصر كل الطرق والوسائل والأساليب التي يمكن أن يتفوق فيها البشر على أنفسهم . قرر غاردنر أننا لا نملك ذكاءً عاماً كامناً واحداً ، لكننا نملك ذكاءات متعددة ، لكل منها نظام مستقل في الدماغ . لكي يصل إلى هذه النظرية ، نظر غاردنر إلى مدى القدرات الإنسانية الموجودة عبر الثقافات ، وليس إلى نتائج المقاييس العقلية . فقد لاحظ على سبيل المثال ، أن الأشخاص الذين يعانون من إصابات في الدماغ قد فقدوا قدرة واحدة كالتخيّل المكاني ، لكن حافظوا على أخرى كاللغة مثلاً . حقيقة وجود قدرتين تعملان بشكل منفصل أكدت وجود ذكاءات منفصلة . حدد غاردنر سبع ذكاءات وعرض شخصية ممثلة لكل واحد منها : 1. الذكاء اللغوي : يتضمن القابلية للحديث واللغة ، ويمثّلها الشاعر ت. س. إليوت . 2. الذكاء المنطقي – الرياضي : يتضمن القدرة على التفكير المجرد وحل المسائل المنطقية والرياضية ، الفيزيائي ألبرت أينشتاين مثال جيد عن هذا النوع من الذكاء . 3. الذكاء الحيّزي : يستخدم لإدراك المعلومات الصورية والمكانية وتصوير مفاهيم العالم بوسائل كالفن مثلاً ، الفنان بابلو بيكاسو يمثل شخصاً ذو ذكاء حيّزي عال . 4. الذكاء الموسيقي : القدرة على آداء وتقدير وفهم الموسيقى ، يمثلها الملحن إيغور سترافنسكي . 5. الذكاء الجسدي – الحركي : القدرة على استخدام جسد الإنسان أو أجزاء منه بنشاطات متنوعة كالرقص ، الألعاب الرياضية ، التمثيل ، الجراحة ، السحر ، مارثا غراهام الراقصة ومصممة الرقصات هي مثال واضح . 6. الذكاء البَيْشخصي : ويتضمن فهم الآخرين والتعامل معهم على أساس هذا الفهم ، ويمثله المعالج النفسي سيجموند فرويد . 7. الذكاء الضِمْشخصي : وهو القدرة على فهم الذات ، ومثاله الأبرز موهنداس غاندي . في العام 1990 ، أضاف غاردنر ذكاءً ثامناً على نظريته هو : 8. الذكاء الطبيعي : القدرة على تمييز وتصنيف النباتات ، الحيوانات ، والمعادن . عالم الطبيعة تشارلز داروين هو مثال لهذا النوع من الذكاء . بالنسبة لغاردنر ، يملك كل شخص جانباً محدداً من هذه الذكاءات ، مع قوة في نواحي وضعف في نواحي أخرى . وجدت نظرية غاردنر قبولاً واسعاً بين المربين لأنها تقترح سعة في الأهداف عما كانت تقدمه التربية التقليدية . تشير النظرية إلى أن التعليم المدرسي التقليدي يهمل جزءاً مهماً من القدرات الإنسانية ، وأن الطلاب الموسومين بالبطئ بالمقاييس التقليدية ، يمكن لهم أن يتفوقوا بنواحي أخرى . في العام 1980 ، نشر عالم النفس الأميركي روبرت ستيرنبرج نظريته ، ووسّع (كما فعل غادرنر) من المفهوم التقليدي للذكاء . فقد لاحظ أن المقاييس العقلية لا تتوقع بشكل جيد الأداء أو النجاح في الحياة العملية . فالذين ينجحون في "الإمتحانات" قد لا ينجحون بالنسبة نفسها في الواقع المعاش . يتألف الذكاء ، تبعاً لنظرية ستيرنبيرج الثلاثية ، من ثلاث نواحي أساسية : الذكاء التحليلي ، الإبداعي ، والعملي . وتعتبر هذه المجموعة أجزاء مرتبطة من نظام واحد ، وليست ذكاءات منفصلة كما في نظرية غاردنر . لذا يجد بعض العلماء توافقاً بينها وبين النظريات التقليدية حول الذكاء العام . 1. الذكاء التحليلي : يشبه هذا الجزء من هذه النظرية ، المفهوم التقليدي للذكاء العام . تكمن مهارة هذا الذكاء في المنطق ، معالجة المعلومات والمعطيات ، وحل المشاكل . ويتضمن القدرة على التحليل ، التقييم ، الحكم ، والمقارنة . وينحو الذكاء التحليلي نحو المعارف والعمليات المعرفية الأساسية . 2. الذكاء الإبداعي : تكمن أسس هذا الذكاء في استخدام التجارب والخبرات السابقة لتحصيل وجهة نظر جديدة حولها ، وللتعامل مع المآزم والحالات الجديدة . يستطيع صاحب هذا الذكاء ربط حقائق غير متعلقة ببعضها لتشكيل وصياغة أفكار جديدة . يعتبر ستيرنبيرج أن مقاييس الذكاء التقليدية لا تقيس الذكاء الإبداعي ، فقد يقدر شخص ما أن يحقق نتيجة عالية في حاصل الذكاء ، ولكنه في نفس الوقت يعاني من مشاكل في مواجهة المواقف الجديدة . 3. الذكاء العملي : يرتبط بقدرة الناس على التكيف ، واختيار وتشكيل بيئتهم الحياتية . ويتطلب المهارة في الحياة اليومية ، والتأقلم مع متطلباتها ، ويعكس قدرة الفرد على النجاح في المعطيات المعيشية اليومية . يقدّم ستيرنبيرج مثالاً عن هذا النوع من الذكاء : موظف يحب عمله ولكنه يكره رئيسه في العمل ، يتصل المدير التنفيذي بالموظف بخصوص عمل جديد ، فيعطيه الموظف اسم رئيسه دون أن يتقدم هو بالطلب لنفسه ، يقبل الرئيس بالوظيفة الجديدة ويرحل عن الشركة ، بالتخلص من رئيسه الذي يكرهه ، بدلاً من ترك عمله الذي يحبه ، يظهر هذا الموظف تأقلماً عالياً مع بيئة العالم الواقعي . قد (وقد لا) يتخطى أفراد يمتلكون ذكاءً عملياً عالياً "إمتحان" الذكاء التقليدي . من وجهة نظر ستيرنبيرج ، يدرك الأشخاص "الأذكياء" مصادر قوتهم وضعفهم في هذه الحقول الثلاثة من الذكاء ، فيعرفون كيف يستفيدون من القوة ، وكيف يعوّضون الضعف ، وأكثر من ذلك كيف يطوّرون قدراتهم لكي يحققوا النجاح في حياتهم . يحاول العديد من الباحثين مقاربة الذكاء بفهم مختلف مبني على التقدم الحاصل في العلوم العصبية ، السلوكية ، والمعرفية . وجدت بعض الدراسات أن الإختلافات في حاصل الذكاء ترتبط بمقاييس عصبية مختلفة . إذ يُظهر البالغون ذوي معدل الذكاء المرتفع ، على سبيل المثال ، نماذج من النشاط الكهربائي في الدماغ تختلف عن الأشخاص ذوي المعدل المنخفض . ويعتبر باحثون آخرون أن فهم الذكاء الإنساني ، يجب أن يتم عن طريق فهم استخدام الكومبيوتر باعتباره "إستعارة دماغية" ، وبدراسة كيفية ربط برامج الذكاء الإصطناعي بالمعالجة الإنسانية للمعلومات . تعد هذه المقاربات واعدة على صعيد فهم وتحديد الذكاء ، إلا أن قيمتها الحقيقية لم تتبلور للآن . اقترحت بعض النظريات في السنوات الأخيرة ، وجود ذكاء أطلق عليه تسمية الذكاء العاطفي والذي يعتبر مكملاً للذكاء المُقاس بالحاصل الذكائي (I.Q.) ، عرّف العالمان الأميركيان بيتر سالوفي وجون ماير – اللذين قدما هذا المفهوم عام 1990 – الذكاء العاطفي بأنه القدرة على ملاحظة ووعي وفهم وتعديل والتعبير عن المشاعر والعواطف . يستخدم أصحاب هذا الذكاء عواطفهم لإرشاد أفكارهم وسلوكهم ، كما يقدرون على قراءة عواطف الآخرين بشكل صحيح . ويعتبر الكاتب والصحافي الأميركي دانييل جولمان من نشر هذا المفهوم على صعيد شعبي في كتابه "الذكاء العاطفي" الذي صدر عام 1995 ، وقد وسّعه ليشمل المقدرة الإجتماعية العامة . V. تأثير الوراثة والبيئة : قليلة هي المواضيع في العلوم الإجتماعية التي أثارت جدلاً كما أثارته التأثيرات النسبية لكل من الطبيعة والتنشئة على الذكاء . هل يتحدد الذكاء تبعاً للوراثة أم للبيئة ؟ أثارت هذه القضية نقاشاً حاداً بإعتبار أن لكلا النظرتين تطبيقات سياسية وإجتماعية مختلفة . فالمؤيدون لوجهة النظر الوراثية يعتبرون أننا نولد بكمية محددة من الذكاء ، وليس هناك أي جدوى لتحسينها ، لذا يطالبون بإيقاف البرامج التعليمية الخاصة . في المقلب الآخر ، يرى أصحاب وجهة النظر البيئية أن التدخل المبكر بالمرامج المساعدة يمكن له أن يحد من سيئات الفقر والعوامل المثبطة الأخرى ، ويؤدي إلى خلق مساواة في الفرص بين الناس . وقد يكون الأمر الأكثر إثارة للجدل هو تأكيد أصحاب النظرة الأولى على أن العوامل الوراثية لا توجد إختلافات بين الأفراد لكن بين الجماعات والشعوب أيضاً . من الواضح أن هذه النظرة عنصرية ، فليس هناك أي دراسة "جادة" تثبتت صحة هذه الإدعاءات وأن بعض الجماعات هي بالفطرة أقل ذكاءً من غيرها . اليوم ، يتفق معظم العلماء أن الذكاء يعود إلى تكامل المؤثرين (الوراثة والتنشئة) .
| |
|